«إنجاز رائع» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

«إنجاز رائع» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون
«إنجاز رائع» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

كقطة سيامي, اقتحمت حضني, همست: تصر على إضاعة الوقت, حقوقك تتسرب من بين أصابعك, لا تفرّط فيها, أقف بجوارك في أي طريق تسير فيه.

داعبت أرنبة أنفها, قلت وأنا أقبل بين عينيها: لم تعد لي طاقة على النزال, لم يتبق الكثير.

تكوّرت أكثر بداخلي, بعثت الدفء في عروقي, نظرت في عينيّ هنيهة, قالت: فوّضني في الأمر, سترى العجب العجاب. أتعرف؟ لفت نظري سؤالها, أكملتْ قائلة: هناك " س", من الناس, على استعداد أن يقدّم لك خدماته, يتمنى القرب منك. لست أنكر أن العَرْض أعجبني, وافقتها على فكرتها العبقرية.

أمسكتها من يدها, أنزلتها برفق من العربة, وعلى مقربة, مكتب شهر عقاري, دلفنا من الباب معًا, تتأبط ذراعي, تلوّح بحقيبتها الصغيرة في وجوه روّاد المكان, تلتصق بي, حتى احتوت ذراعي, شقًا من جانبي الأيمن بين نهديها..

 أمام الموثِّق, أعلنته طلبي في استخراج توكيل منّي للسيدة المذكورة, أشرت إليها, فزاد التصاقها أكثر حتى أصبحت لا أرى العالم حولي إلّا من بين ثنايا عطرها, كما أخبرته بشرطي أن أفوّضها في التحدث باسمي, أن تمنح الأمل لمن تراه يستحق, أن توزع العطايا والهبات العاطفية لمن يجوز عليه الصدقة.

 بعد ساعة خرجنا للهواء الطلق, والتوكيل الرسمي في يدها, احتفلنا بهذا الانجاز بأن تناولنا على مقهى بلدي فنجاني قهوة, وسط حبور المارة وامتعاضهم في آن واحد.

فلمّا ذهبت السكرة, قلت لها: حققت لك مرادك, بين يديك ورقة رسمية تمنحك كل حق, تواجهي الجميع دون خوف, ثم سألتها: واجمة؟ لمَ؟

طوت التوكيل ووضعته بحقيبتها, أغلقتها بعنف, كتمت صوت "وردة", أعادت طلاء شفتيها من جديد, شرعت تضبط وضع طرحتها على رأسها, عقب ذلك نظرت إليّ, قالت: أتعرف المثل القائل" اللي ربّى خير من اللي اشترى؟"

قلت بقلق: سمعت عنه.

فسألتني ثانية: أسمعت عن مذبحة المماليك؟

بتعجّب يمتزج بالخوف: بالطبع, قرأت عنها.

قالت وهي ترقب الطريق, أعمدة الإنارة التي تندفع للخلف مع حركة سيارتي للأمام: خطيئته أنه أغفل عن مملوك, أتى متأخرًا عن الحفل, فهرب حين رأى الذبح والقتل, قفز بحصانه من فوق أسوار القلعة.

أوقفت السيارة, إذ استشعرت نٌذر الحريق, قلت: هل هذا وقت حديث عن الوالي ومذبحته, داعبتها, تسللت أصابعي لمناطق بكر لم تصلها من قبل, غير أنها أبعدت يدي بغلظة, قالت بحِدة: لن أكرر نفس خطأ الوالي مرة ثانية. ضحكة صفراء استقرت على فمها, أردفت: أعلم يقينًا أنك لا تجيد ركوب الخيل, فهنيئًا لك ولي.